Latest posts

Search found 6 matches:


admin
Admin

33, male

Posts: 25

بت مزاحم

from admin on 03/21/2015 06:14 PM

امرأة فرعون ربت نبي زمانها. وتعلمت منه الهدى ودين الحق. ووقفت في وجه جبار طاغية يهلك الحرث والنسل.... وضرب الله بها مثلا للنساء المؤمنات كما ضرب مثلا بمريم البتول عليها السلام: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)) (سورة التحريم).

17_11422649316.gif

Reply

admin
Admin

33, male

Posts: 25

خولة بنت ثعلبة

from admin on 03/21/2015 06:12 PM

هي إحدى النساء المؤمنات العارفات بالله تعالى، والتي كانت على عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وعاشت حتى تولَّى سيدُنا عمر بن الخطاب خلافةَ المسلمين وسمِّيَ بـ"أمير المؤمنين"، وقد كانت زوجةً لأوس بن الصامت، وهو الزواج الذي كان سببًا في شهرة خولة إلى يوم الدين بإذن الله تعالى.

 

مناقبها وأخلاقها الشخصية

كانت خولة بن ثعلبة قويةً في الحق وشجاعةً، ويُحكَى أنها قابلت سيدَنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بعد أن تولى خلافة المسلمين ولم تستدِر لتغادر طريق أمير المؤمنين، رغم أن الشيطان كان يستدير ويسلك طريقًا آخر لو رأى في طريقه الأول سيدنا عمر، ولما اعترضت طريقَه قالت له إنها شاهدته وهو صبي ثم وهو أحد أعلام الإسلام ثم وهو أمير المؤمنين، وكانت بذلك تذكِّره بأنه كان بسيطًا فلا يدع الغرور يدخل قلبه، وطالبتْه بأن يتقيَ اللهَ في الرعية وأن يعدل بينها، وفي ذلك الموقف ما يوضح جرأتَها في الحق ومعرفتَها بتعاليم الدين الإسلامي التي لا تفرق بين المسئول وبين الرعية وتعطي الرعية الحقَّ في توجيه رعاتهم.

إلى جانب ذلك كانت حريصةً على بيتها وزوجها أكثر من حرصها على أي شيء آخر، عملاً بالتعاليم الإسلامية التي تدعو الرجل والمرأة إلى حماية الحياة الأسرية، ولما كبُر زوجُها أوس بن الصامت في السن ضاق خلقُه بفعل أمراض الشيخوخة، فكانت تحتمله لأنها كانت تحبه؛ حيث كان زوجَها وابنَ عمها، وقد أخبرت الرسول بذلك، لكنه ذات مرة بلغ به الضيق مبلغَه فطلَّقها على طريقة الجاهلية في الظهار، وقال: "أنت عليَّ كظهر أمي".

وفي هذه الحالة كانت أية زوجة أخرى ستُسيء معاملةَ زوجها أو تمارس معه المضايقات عندما يبدأ كل طرف في إنهاء علاقته المادية والمعنوية من الآخر بعد وقوع الطلاق, لكنَّ خولة بنت ثعلبة شعرت بفطنتها أن الأمر ليس طلاقًا كاملاً فهو لم يطلقها وفق تعاليم الإسلام، وبالتالي فهي لا تزال زوجتَه، لكنه قال لفظة طلاق معتادةً بين العرب في الجاهلية، فتوجَّهت من تلقاء نفسها إلى الرسول الكريم وقصَّت عليه القصة كلها فأنزل الله تعالى على رسوله الكريم قرآنًا يُتلى في أول سورة المجادلة؛ حيث قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (المجادلة: 1) وأمرَها الرسول الكريم بأن تدفع زوجَها لعتقِ رقبة، لكنها قالت بأنه لا يملك، فأمرها بإطعام 60 مسكينًا، فأخبرته بأنهما لا يملكان، حتى أمرها بالتصدق بالتمر، وهنا تتضح سمةٌ أخرى من سمات خولة بنت ثعلبة، وهي تمسُّكُها ببيتها وزوجها إلى النهاية وعدم تفريطها فيهما، حتى بعد أن شاخ زوجها واضطربت سلوكياته للدرجة التي ظاهرها فيها على أخلاق الجاهلية دون أن يدرك أنه على الدين الإسلامي.

رحم الله خولةَ بنتَ ثعلبة، التي ضربت المثال الأبرز في الفطنة عندما لجأت إلى الرسول الكريم لكي يحلَّ لها ما أعضلها من مشكلة زوجية، ولم تُدخل فيها أيَّ شخص آخر إلا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ مما يوضح عمق إيمانها وثقتها في دينها، وكذلك حرصها على منزلها، ورغبتها في أن تحل مشكلتها بأسرع وقت وفق التعاليم الإسلامية، إلى جانب ما أبرزته أمام الخليفة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من شجاعة الخِطاب، ومعرفة حدود التعامل بين الراعي والرعية

17_11422649316.gif

Reply

admin
Admin

33, male

Posts: 25

قصة عاد وثمود

from admin on 03/21/2015 06:06 PM

((بسم الله الرحمن الرحيم )) قصة قوم ثمود ونبيهم صالح عليه السلام من هو صالح ؟ هو صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن ارم بن سام بن نوح ومنهم قوم صالح ؟ هم ثمود وهي قبيلة من قبائل العرب البائدة ، وسميت بهذا الاسم نسبة لجدهم ثمود ، وكانوا يسكنون الحجر" مدائن صالح " الواقعة بين الحجاز وتبوك وقد كانوا أولي قوة وبأس شديد ، يتخذون من السهول قصورا ، وينحتون الجبال بيوتا ، وقد رزقهم الله من الزروع والثمار وتفضل عليهم بالنعم العظيمة ومن قبل خلقهم وأنشأهم وكان حقا عليهم شكر موجد النعم والتذلل له وعبادته ولو كانوا من الشاكرين لزادهم الله من واسع فضله وإحسانه ولكن لما أن كفروا بآيات الله ، وكذبوا رسوله سخط عليهم وبدل النعمة نقمة والعز ذل بعث الله فيهم أخاهم صالحا نبيا فدعاهم إلى عبادة الله وحده قال تعالى (( ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره )) ولكن لم يزيدهم دعاءه إلا نفورا وفجورا واستكبارا فآذوا نبيهم أشد الإيذاء، ونعتوه بأقبح الأوصاف ، ومع كل ذلك كان صابرا محتسبا يرجو فضل ربه وإنعامه وفي ذات يوم اجتمعت ثمود في ناديهم ، فجاءهم صالح عليه السلام فدعاهم وحذرهم ووعظهم وذكرهم بالله فقالوا له على سبيل الإعجاز : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة صفتها كيت وكيت فقال لهم صالح عليه السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني قالوا : نعم فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك فقام إلى مصلاه فصلى لله ودعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا فأمر الله تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة على الوجه المطلوب الذي طلبوا فلما عاينوها رأوا أمرا عظيما ومنظرا هائلا ودليلا قاطعا وبرهانا ساطعا فآمن كثير منهم واستمر أكثرهم على كفرهم وطغيانهم وضلالهم فقال لهم صالح... قال تعالى على لسانه ( هذه ناقة الله لكم آية ) وأمرهم أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ، وترعى في أرضهم ، وترد الماء يوما بعد يوم قال تعالى ( لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) وأمرهم بأن لا يمسوها بسؤ فيأخذهم عذاب قريب عظيم وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم ، وقيل كانوا يشربون من لبنها كفايتهم فلما طال عليهم الحال اجتمع سادتهم واتفقوا على عقر هذه الناقة وكان الذي تولى قتلها هو قدار بن سالف وقد ذكر من هذا الأمر : أن امرأتين من ثمود اسم أحدها صدوق بنت المحيا كانت تحت رجل ممن أسلم ففارقته ، فدعت ابن عم لها يقال له مصرع بن مهرج عرضت عليه نفسها بشرط عقر الناقة واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم وكانت عجوزا لها أربع بنات عرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة فاتفق الشابان لعقرها وسعوا في قومهم بذلك فاستجاب لهم سبعة أخرون فصاروا تسعة فانطلقوا يرصدون الناقة فلما صدرت من وردها رماها مصرع بسهم فدخل السهم بعظم ساقها ، ثم ابتدرها قدار بن سالف فشد عليها بالسيف ورغت (( اصدرت صوتا عظيما تحذر ولدها )) فقتلها فخرت ساقطة على الأرض وانطلق ولدها حتى صعد الجبل ودخل في صخرة فغاب فيها ولم يقف هؤلاء عند هذا الحد بل تحدوا صالحا بالعذاب الموعود وهذا أولا .. كما قال تعالى (( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين )) فما كان من نبي الله صالح إلا أن قال لهم ... قال تعالى على لسانه (( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام )) ثانيا : إنهم أرادوا قتل صالح ولكن الله أفشل خطتهم وأبطل كيدهم وذلك بأن الله عجل لهؤلاء النفر العقوبة قبل قومهم بأن أرسل عليهم حجارة رضختهم وأبادتهم وأما بالنسبة لقوم ثمود : لما أصبح القوم يوم الخميس الذي كان أول أيام النظرة ، كانت وجوههم صفراء ، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يوم من الأجل ثم أصبح القوم في اليوم الثاني ووجوههم محمرة ، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يومان من الأجل ثم أصبحوا في اليوم الثالث ووجوههم مسودة ، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى الأجل فلما أن كان صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون .. ماذا يحل بهم من العذاب ؟ فوقع العذاب عليهم بصيحة من السماء من فوقهم ورجفة شديدة من أسفل منهم ففاضت الأرواح وزهقت الأنفس وسكنت الحركات وأصبحوا في دراهم جاثمين وأنجى الله صالحا والذين آمنوا معه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم انتهت قصة ثمود

17_11422649316.gif

Reply

admin
Admin

33, male

Posts: 25

قصة نوح عليه السلام

from admin on 03/21/2015 06:05 PM

نوح (عليه السلام) كان ـ في سالف الزمان ـ قوم مؤمنون، يعبدون الله وحده ويعتقدون بالمعاد، ويفعلون الخيرات، فمات أولئك القوم، فحزن عليهم الناس لصلاحهم وأخلاقهم. فعمل بعض تماثيل أولئك، وكانوا يسمّون بهذه الأسماء: ودّ، سواع، يغوث، يعوق، نسر.. وأنس الناس بهذه التماثيل، وجعلوها رمزاً لأولئك النفر الصلحاء الذين ماتوا منهم. وكان أهل المدينة يعظّمون هذه الصّور، قصداً إلى تعظيم أولئك الأموات. مضى الصيف، وجاء الشتاء، فأدخلوا الصّور في بيوتهم. ومضى زمان.. وزمان.. حتى مات الآباء وكبر الأبناء، فجعلوا يضيفون في احترام هذه التماثيل، ويخضعون أمامها. وأخذت التماثيل من نفوس أولئك القوم مأخذاً عظيماً. وإذا بالجيل الثاني، شرعوا يعبدون الصور.. ويقولون إنها آلهةٌ، يجب السجود لها، والخضوع أمامها. فعبدوها، وضلّ منهم خلق كثير. * * * وحينذاك، بعث الله إلى أولئك القوم نوحاً (عليه السلام) ليرشدهم إلى الطريق.. وينهاهم عن عبادة الأصنام.. ويهديم إلى عبادة الله تعالى. فجاء نوح إلى القوم.. (فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره) فكذّبوه، ولم يقبلوا منه، فأنذرهم من عذاب الله تعالى. قال: (إنّي أخاف عليكم عذاب يوم عظيم). (قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين). (قال يا قوم ليس بي ضلالةُ ولكني رسول من ربّ العالمين أبلّغكم رسالات ربّي وانصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون). فتعجّب القوم من مقالة نوح.. وجعلوا يقولون: أنت بشر مثلنا، فكيف تكون رسولاً من عند الله؟ وإن الذين اتبعوك هم جماعة من الأراذل والسفلة.. ثمّ لا فضل لكم علينا، فلستم أكثر منّا مالاً أو جاهاً.. وإنا نظنّ إنكم كاذبون في هذه الادعاءات.. وقال بعض القوم لبعض: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضّل عليكم إن هو إلا رجل به جنّة) وشجّع بعض القوم بعضاً، في عبادة أصنامهم (وقالوا لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً). ولما طال حوارهم وجدالهم، قال نوح: (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم)؟ وأخذ نوح (عليه السلام) جانب اللين واللّطف، ولكن القوم لم يزيدوا إلا عناداً. * * * ولكن نوحاً (عليه السلام) لم ييأس منهم، بل كان يأتيهم كل صباح ومساء، ويدعوهم وينذرهم بلطف ولين.. وكان القوم إذا جاءهم نوح للدعوة (جعلوا أصابعهم في آذانهم) حتى لا يسمعوا كلامه (واستغشوا ثيابهم) تغطّوا بها حتى لا يروه. وكثيراً ما هاجموه، وضربوه حتى يغشى عليه! لكنّ نوحاً النبي العظيم العطوف الحليم، كان إذا أفاق يقول: اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون. وفي مرات أنهكوه ضرباً وصفعاً، حتى جرت الدماء عن مسامعه الكريمة، وهو مع ذلك كلّه كان يلطف بهم، ويدعوهم إلى الله تعالى، فكانوا يقولون: لم (يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)؟ حتى علم أنه لا يفيدهم النصح، فتوجّه إلى الله تعالى، ضارعاً، وبيّن كيفيّة ردّهم إياه (قال ربّ إنّي دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً)، (وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكباراً). (ثم إني دعوتهم جهاراً)، (ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً)، (يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتٍ ويجعل لكم أنهاراً). * * * واختلق بعض أولئك الكفّار عذراً تافها.. فقالوا: (أنؤمن لك واتّبعك الأرذلون)؟ فإن أردت هدايتنا، وإعزازنا لك، فاطرد هؤلاء الأرذلين الذين آمنوا بك عن حوزتك.. فإنّا لا نستطيع أن نقرن بهؤلاء فكيف نستجيب لدين يستوي فيه الشريف والوضيع، والكبير والصغير؟ فأجابهم نوح (عليه السلام)، بلهجة كلّها حنان وتذكير: (قال وما علمي بما كانوا يعملون)؟ (إن حسابهم إلا على ربّي لو تشعرون)، (وما أنا بطارد المؤمنين)! (وما أنا بطارد الذين آمنوا) وكيف أطرد جماعة آمنوا بي، وآزروني وساعدوني على نشر الدعوة؟ (ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكّرون)؟ (إن أنا إلا نذير مبين) أنذر الناس على حدّ سواء، من غير فرق بين الشريف والوضيع، والغنيّ والفقير، والكبير والصغير. ولما انقطع القوم عن الاحتجاج.. ولم يتمكّنوا من رد الأدلة التي ذكرها نوح (عليه السلام)، أخذوا يهدّدونه، بالرجم بالحجارة (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكوننّ من المرجومين). * * * وقد علم نوح (عليه السلام) أنهم لا يقبلون منطقاً، ولا يهتدون، فضرع إلى الله تعالى، في أن ينجّيه من هؤلاء المعاندين (قال ربّ إن قومي كذّبون)، (فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجّني ومن معي من المؤمنين). وحيث كان نوح يخوّف قومه من عذاب الله، إن أصرّوا على الكفر.. قال بعضهم، استهزاءً: إلى متى تهدّدنا بعذاب الله؟ (فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين). فأجابهم نوح: إن هذا الأمر ليس بيدي.. و(إنما يأتيكم به الله إن شاء). ثم توجه إليهم في تحسّر، وقال: (لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم..). وعند ذاك توقّع النّصر من الله تعالى.. وانتظر الوحي ليعلم أنّه ما ينبغي أن يصنع بهؤلاء القوم؟ فأوحى إليه الله تعالى: (إنّه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون). * * * وإذ تمّت الحجة.. وانقطعت الأعذار، وطالت الدعوة ما يقرب من عشرة قرون، يئس نوح منهم يأساً باتّاً، وأشفق على أولادهم وأحفادهم أن يأخذوا طريقة الآباء في الكفر والإلحاد. فدعا إلى الله تعالى، قائلاً: (ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفّاراً). وحينئذ أمره الله تعالى أن يغرس النخل فإذا أثمر نزل عليهم العذاب. وقد كان من مقتضى عدل الله تعالى أن لا يعذّب طفلاً صغيراً بذنوب الآباء.. فعقّم أرحام النساء أربعين سنة، فلم يولد لهم مولود ولم يبق لهم طفل غير مكلّف. وفي تلك المدّة شرع نوح في غرس النخل، فكان القوم يمرّون به ويسخرون منه، ويستهزئون به، قائلين: انّه شيخٌ قد أتى عليه تسعمائة سنة، وبعد يغرس النخل! وكانوا يرمونه بالحجارة.. ولما بلغ النخل، وانقضت خمسون سنة، أمر نوحٌ بقطعه.. فقالوا: إن هذا الشيخ قد خرف.. وبلغ منه الكبر مبلغه! مرّة يقول: أنا رسول.. ومرّة يغرس النخل.. ومرّة يأمر بقطعة؟ * * * ولمّا اكتمل الأمر وصارت المدّة ألف سنة إلا خمسين عاما، أوحى الله إليه بصنع السفينة (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا). فأخذ نوح (عليه السلام) يصنع الفلك، وجبرئيل يعلّمه كيف يصنعها.. وإذ كان من الواجب صنع سفينة تسع ملايين المخلوقات، أوحى الله إليه: أن يكون طول السفينة ألفاً ومائتي ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وارتفاعها ثمانين ذراعاً، فيكون الحجم سبعة ملايين، وستمائة وثمانين ألف ذراع. لكنّ نوحاً (عليه السلام) سأل الله تعالى أن يعينه على صنع مثل هذه السفينة الكبيرة، قال: يا ربّ من يعينني على اتخاذها؟ فأوحى الله إليه: ناد في قومك، من أعانني عليها، ونجر منها شيئاً صار ما ينجره ذهباً وفضة. فأعانوه في صُنعها. وكان محلّ صنع السفينة صحراء وسيعة (ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملا من قومه سخروا منه)! فكان بعضهم يقول: أيها النبي، لم عدلت عن رسالتك إلى النّجارة؟ وبعضهم كان يقول: يا نوح صرت نجّاراً بعد النبوّة؟! وبعضهم كان يقول: السفينة تصنع للبحر وأنت تصنعها في البر؟! وكانوا يتضاحكون! ويتعجبون! ويرمون نوحاً بالجنون والسّفه. ويجيبهم نوح (عليه السلام) في تأدّب ولين: (إن تسخَروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلّ عليه عذابٌ مقيم). واشتغل بالعمل جادّاً، حتى تمّ صنع السفينة. * * * ثم أمر الله سبحانه نوحاً أن يحمل في السفينة الذي آمنوا معه.. ومِن كل ذي روح زوجين اثنين، لئلا ينقرض نسل الحيوان.. وقد كان نوح هيّأ لكلّ صنف من أصناف الحيوان، موضعاً في السفينة، ثم حمل من جميع الأصناف التي تغرق في الماء، ولا يتمكّن أن يعيش فيه. فحمل من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الغزال اثنين، ومن اليحمور اثنين، ومن البغل اثنين، ومن الفرس اثنين، ومن الأسد اثنين، ومن النمر اثنين، ومن الفيل اثنين، ومن الكلب اثنين، ومن الدّب اثنين.. وهكذا.. وحمل من الحمام اثنين، ومن العصفور اثنين، ومن الصعوة اثنين، ومن الغراب اثنين، ومن الكركي اثنين، ومن البلبل اثنين، ومن الببغاء اثنين، ومن النّسر اثنين ومن الهدهد اثنين، ومن الفاختة اثنين، ومن الطاووس اثنين.. وهكذا.. وحمل من الجعلان اثنين، ومن اليراعة اثنين، ومن اليربوع اثنين، ومن السنور اثنين، ومن الخنافس اثنين.. وهكذا.. وبالجملة فقد صنع في السفينة اكبر حديقة حيوانية شاهدها العلم. وجمع في السفينة لكل حيوانٍ من طعامه الخاصّ مبلغاً كثيراً. هكذا شاء الله.. ونفّذ مشيئته نوح (عليه السلام). وحمل الذين آمنوا به، وكان عددهم ثمانين شخصاً.. (وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها إن ربّي لغفور رحيم). * * * وكان لنوح (عليه السلام) زوجتان، إحداهما مؤمنة، والثانية كافرة.. وكانت الزوجة الكافرة تؤذي نوحاً، وتقول للناس: إن زوجي مجنون وإذا آمن أحد، أخبرت الكفّار. وقد أشار الله تعالى في القرآن إلى هذه الزوجة، حيث يقول: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين). ولما ركب نوح (عليه السلام) السفينة، اركب معه الزوجة المؤمنة، وترك الكافرة، فغرقت مع سائر الكفار. * * * ولما ركب نوح والّذين آمنوا معه السفينة، وأركب جميع الحيوانات، كلاً في موضعه.. كسفت الشمس، وأخذت السماء تمطر مطراً غزيراً، وطفقت عيون الأرض تنبع بالمياه الكثيرة (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) منصب انصباباً شديداً لا ينقطع (وفجّرنا الأرض عيوناً) حتى جرت المياه على وجه الأرض (فالتقى الماء) ماء الأرض وماء السماء، حتى صار العالم كبحر كبير. واستمرّ هطول الأمطار ونبع العيون أربعين يوماً. وفي تلك الأثناء، كانت السفينة تجري فوق ظهر الماء حسب هبوب الرياح، وإذا بنوح (عليه السلام) يشرف من السفينة فيرى ولده، يقع مرّة، ويقوم أخرى، يريد الفرار من الغرق، فناداه: (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين). لكن الابن العاق أبى قبول نصيحة والده الشفيق، وأجاب نوحاً (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء). فنظر إليه نوح نظر مشفقٍ، وقال: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم). ولكنّ عناد الولد، وإصراره على الكفر حال بينه وبين قبول نصح أبيه، فلم يركب السفينة، وكانت السفينة حينذاك (تجري في موج كالجبال). وبعد برهة من هذه المحاورة (حال بينهما) بين نوح وولده (الموج فكان من المغرقين). وأخذت نوح (عليه السلام) الرقة على ولده، فتضرّع إلى الله تعالى في نجاة ابنه الغريق، فإن الله تعالى كان قد وعده بنجاة أهله، فقال نوح (عليه السلام): (ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين). ولكنّ الله تعالى، كان قد وعد نجاة أهل نوح الذين كانوا من الصالحين، ولذا أجابه: (يا نوح إنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح). بعدما غمر الماء جميع الأرض، وهلك كل كافر (قيل يا أرض ابلعي ماءك)! فغاض الماء الذي نبع من الأرض، وأوحى إلى السماء: (يا سماء اقلعي) وكُفي عن الانصباب والمطر، فانقطع المطر (واستوت) السفينة (على الجودي) وهو جبل، أرست السفينة عليه، وأخذت المياه التي بقيت على الأرض من الأمطار، تتسرّب إلى البحار. وأوحى إلى نوح (عليه السلام): (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أممٍ ممن معك) فنزل نوح من السفينة، ونزل المؤمنون الذين كانوا معه، وبنوا مدينةً، وغرسوا الأشجار، وأطلقوا الحيوانات التي كانت معهم. وابتدأت العمارة في الأرض، وأخذ الناس يتوالدون ويتناسلون، وأوحى الله تعالى إلى نوح: يا نوح، إنني خلقت خلقي لعبادتي، وأمرتهم بطاعتي، فقد عصوني، وعبدوا غيري واستوجبوا بذلك غضبي، فغرّقتهم.

17_11422649316.gif

Reply

admin
Admin

33, male

Posts: 25

قصة اصحاب الفيل

from admin on 03/21/2015 06:03 PM

عام الفيل هو العام الّذي ولد فيه سيّدنا ومولانا رسول الله(ص)، وقد سُمّي بهذا الاسم، لأنّه شهد قدوم أبرهة ملك الحبشة على رأس جيش كبير، ومعه الفِيَلَة، من أجل هدم الكعبة الشّريفة، وورد ذكر هذه الحادثة في القرآن الكريم، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ}[الفيل: 1-5]. كما وجاء تفاصيل هذه الحادثة في كتب السِّيَر والتّاريخ، قال ابن كثير في تفسيره: كان هذا توطئةً لمبعث رسول الله(ص)، فإنّه في ذلك العام وُلِدَ على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم ـ يا معشر قريش ـ على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الّذي سنشرّفه ونعظّمه ونوقّره ببعثة النبيّ الأمّيّ محمد(ص) خاتم الأنبياء. وبنى أبرهة كنيسةً ضخمة، وقرّر أن يدعو أهل الجزيرة العربيّة لأن يحجّوا إليها بدل الكعبة، وينقل الكعبة إلى أرض اليمن، وأرسل أبرهة الرّسل والدّعاة إلى قبائل العرب في أرض الحجاز يدعونهم إلى الحجّ إلى كنيسة اليمن، فأحسّ العرب بالخطر إذّاك، ولم يستجيبوا لطلبه، فغضب وقرَّر أن يهدّم الكعبة، وجاء على رأس جيش عظيم، وكان بعضهم يمتطي الفِيَلة، وجاء رسول أبرهة إلى مكّة، فدلّوه على عبد المطلب الّذي قال له الحديث المشهور: "نحن لا طاقة لنا بحربكم، وللبيت ربّ يحميه". أمر عبد المطّلب أهل مكّة بأن يلجأوا إلى الجبال المحيطة بها، وذهب هو وجمعٌ معه إلى جوار البيت ليدعو.. تقدّم أبرهة وجيشه صوب الكعبة، حتى إذا كان طلوع الشمس، طلعت عليهم الطّير ومعها الحجارة، فجعلت ترميهم، وكلّ طائر في منقاره حجر وفي رجليه حجران، وإذا رمت بذلك مضت وطلعت أخرى، فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطنٍ إلا أحرقه، ولا عظمٍ إلا أوهاه وثقبه، وهكذا هزم الجيش وهلك قائده بعد ذلك. وفي تفسيره لسورة الفيل، يقول سماحة المرجع المفسِّر السيّد محمد حسين فضل الله(رض): {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} الّذين جاؤوا بكلّ قوّتهم وعدّتهم ليهدموا الكعبة الّتي جعلها الله موضعاً لعبادته، ومحجّةً لخلقه، وليست الرّؤية ـ هنا ـ هي الرّؤية الحسيّة، لأنّ الزّمان قد ابتعد عن الفترة الّتي نزلت فيها السّورة، بل الرّؤية القلبيّة المنفتحة على التّاريخ الصّادق المعروف لدى النّاس من جهة، وعلى الحقيقة الصّارخة المتمثّلة بالكعبة الباقية على مرّ السّنين بكلّ التحدّي الإلهيّ للّذين يريدون أن يهدّموها أو يمسّوها بسوء من جهة أخرى. {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}، فلم يستطيعوا أن يحقّقوا لأنفسهم أيّ نجاح لخطّتهم فيما كادوه وخطّطوا له من تخريب الكعبة وتدميرها، بل تحوَّل كيدهم إلى تدمير أنفسهم وضياع جهدهم. {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}، أي جماعات متفرّقة لتحارب كيدهم بدلاً من أهل مكّة الّذين هربوا إلى الجبال خوفاً من قوّتهم وبأسهم وبطشهم. {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ}، وهي كلمة فارسيّة مركّبة من كلمتين، تفيدان معنى الحجر والطّين، أو حجارة ملوّثة بالطّين.. {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ}، والعصف هو الحاف من ورق الشّجر، والمأكول هو الفتيت من الطّحين حين تمزّقه الحشرات وتأكله، أو حين يأكله الحيوان ويمضغه، وهكذا تمزّقت أجسادهم وتفتّتت بفعل هذه الحجارة الّتي كانت تفعل فيها فعل القذيفة الّتي تحوّل الأجساد إلى أشلاء بقدرة الله الّتي لا يعجزها شيء. وبقي للتّاريخ الرّساليّ الإيحاء الإلهيّ الّذي يؤكّد للمؤمنين أنّ الله إذا أراد حماية بيته ودينه، فإنّه يتدخّل بإرادته بطريقة خارقة للعادة، ليهزم كلّ الطّغاة الّذين يريدون به كيداً، فلا تثبت أمامه قوّة، ولا تنجح أيّة مكيدة، مهما كان نوعها، فعلى المؤمنين أن يعرفوا كيف حفظ الله بيته الحرام، حتّى وهو في أيدي المشركين الّذين تفرّقوا عنه، فكيف لا يحميه وهو في أيدي المؤمنين، وتلك هي العبرة البالغة في كلّ حين...[تفسير من وحي القرآن، ج24، ص:426]. قال الماوردي في فوائد هذه القصَّة: وآية الرَّسول(ص) في قصّة الفيل، أنّه كان في زمانه حَمْلاً في بطن أمّه بمكّة، لأنّه ولد بعد خمسين يوماً من الفيل، وبعد موت أبيه.. فلو ظفروا لسَبُوا واسترقّوا، فأهلكهم الله تعالى لصيانة رسوله(ص) أن يجري عليه السّبي حملاً ووليداً.. لقد كان مولد النبيّ(ص) نذيراً بزوال دولة الشّرك والظّلم، وبداية لنشر الخير والعدل بين النّاس، وكانت حادثة الفيل من دلائل نبوّته وبشاراتها قبل مولده(ص). وتبقى هذه القصَّة القرآنيَّة عبرةً لأولي الألباب في بيان قدرة الله تعالى، ونصرته الحقّ وإزهاقه الباطل.

17_11422649316.gif

Reply

admin
Admin

33, male

Posts: 25

قصة اصحاب الاخدود

from admin on 03/21/2015 06:02 PM

عن صهيب -رضي الله عنه- أن رسول الله قال "كان ملكٌ فيمن كان قبلكم, وكان له ساحر, فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليَّ غلامًا أعلمه السحر. فبعث إليه غلامًا يعلمه, وكان في طريقه إذا سلك راهب, فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه, وكان إذا أتى الساحر مرَّ بالراهب وقعد إليه, فإذا أتى الساحر ضربه, فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس, فقال: اليوم أعلم آلساحرُ أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحبَّ إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس. فرماها، فقتلها ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره, فقال له الراهب: أي بُنَيَّ، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، فإن ابتُليت فلا تدُلَّ عليَّ. وكان الغلام يُبرِئ الأكمه والأبرص, ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس الملك وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ها هنا لك أجمع, إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدًا، إنما يشفي الله تعالى, فإن آمنتَ بالله تعالى، دعوتُ الله فشفاك. فآمن بالله تعالى، فشفاه الله تعالى. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟! قال: ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل يعذِّبه حتى دلَّ على الغلام. فقال له الملك: أي بُنَيَّ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله تعالى. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مَفْرِق رأسه فشقه حتى وقع شِقَّاه, ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فوضع المنشار في مفرق رأسه, فشقه به حتى وقع شقاه. ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأَبَى, فدفعه إلى نفرٍ من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل, فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه, وإلاَّ فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل فسقطوا, وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل بأصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر, فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قُلْ: باسم الله رب الغلام. ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه، ثم أخذ سهمًا من كنانته, ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام. ثم رماه، فوقع السهم في صُدْغه، فوضع يده في صدغه، فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام. فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرُك قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك، فخُدَّت وأُضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه. ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه، اصبري فإنك على الحق"[1]. فهذا الحديث وإن كان يحمل في جوانبه رقائق وزهدًا, فإنه يحمل في ثناياه معاني عظيمة, وفوائد جليلة وأفكار بناءة, وهذا ليس بعيدًا عن الحديث النبوي الجليل, فقد أوتي r جوامع الكلم، وكان الفقهاء يستنبطون من الحديث الواحد فوائد فقهية وتربوية جمَّة. ولو رحنا نتعمق في هذا الحديث كلمة كلمة، وفقرة فقرة, لتبيَّن لنا أن هذا الحديث من الأحاديث المهمَّة في التربية والتطور والثقة بالله وتصحيح بعض المفاهيم. فمن هذه الفوائد هذه الباقة العطرة: الفائدة الأولى: فأما الفائدة الأولى من هذا الحديث, فإن بطل هذه القصة المثيرة هو غلام، وهذا الغلام هو الذي أجرى الله على يديه على الأحداث السابقة الواردة في الحديث النبوي الشريف. وهذا يجعلنا, بل يثير انتباهنا كي نهتم بالأطفال أبلغ اهتمام, يقول الرافعي رحمه الله: "إن الفِجَّ اليوم هو الناضج غدًا". فالأطفال اليوم وإن كانوا أطفالاً, فهم في الغد رجال, سيحملون ما يحملون من أفكار، وربما مجدد العصر يكون بين هذه الأطفال. إن علاقتنا مع أطفالنا علاقة عضوية فقط, علاقة طعام وشراب ونسب. أما علاقة التربية فهي منقطعة، فالتربية هي: عملية بناء الطفل شيئًا فشيئًا إلى حد التمام والكمال. والتربية مأمور بها الإنسان المسلم لأولاده: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6], "ما من مولود يُولد إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه". الفائدة الثانية: أما الفائدة الثانية من الحديث فنستشفها من قول الراهب: "أي بُنَيَّ، أنت اليوم أفضل مني". هذه هي النقطة الفاصلة التي لم نستطع حتى الآن ومنذ قرون أن نتجاوزها، وهي اعتراف الأستاذ بأن تلميذه أصبح أفضل منه. وحتى الآن لم نسمع -إلا نادرًا- أن أستاذًا مدح تلميذه وقرظه، وهذا الأمر إن يكن غريبًا بعض الشيء إلا أنه يحمل معنيين مهمين: 1- تواضع العالِم الأستاذ. 2- إن المجتمع لن يتقدم ولن يتحسن حاله, إذا بقي التلميذ مثل أستاذه يقلده في كل شيء. إن أحسن أحوال التلميذ أن يصبح مثل أستاذه يقلده في كل شيء.. إن أحسن أحواله أن يصبح مثل أستاذه نسخة ثانية عنه، فيشرح متونه ويختصر شروحه.. يقول الشيخ محمد علي الطنطاوي -رحمه الله-: "إن سبب الركود العلمي في بلاد الشام في القرن الماضي هو فقدان التشجيع". وأي تشجيع أعظم من أن يمدح الأستاذ تلميذه، ويعترف بجهوده! ولقد كانت إحدى وسائل التشجيع عند النبي r إطلاق بعض الألقاب العلمية على الصحابة المتميزين، كقوله r: "أقرؤكم أُبَيّ وأفرضكم زيد". إننا بحاجة ماسَّة إلى هذه النقطة في كافة المجالات، حتى يبدأ التلميذ من حيث انتهى أستاذه، ويساهم في بناء قلعة الإسلام. الفائدة الثالثة: وهي تكمن في صدق الالتجاء إلى الله تعالى وطريقة الدعاء والثقة بالإجابة، وذلك عندما قال: "اللهم اكفنيهم بما شئت". وهو دعاء غريب جدًّا.. يحمل فيه ذلك الغلام الثقة المطلقة بالله عز وجل، واستغنى عن التفصيل في كيفية وآلية النجاة, وكلها لله سبحانه وتعالى. فآلية النجاة وكيفيتها لا تأتي حسبما يخطط له الإنسان, وإنما تأتي على الكيفية التي يريدها الله سبحانه وتعالى، وما على الإنسان إلا أن يحسن الثقة بالله سبحانه، ويَكِلُ الآليات له سبحانه. الفائدة الرابعة: الإصرار على نشر الدعوة، وهذا يؤخذ من هذا المشهد الذي تكرر مرتين في الحديث "وجاء يمشي للملك". فلماذا بعدما نجا في المرة الأولى وفي المرة الثانية لم يهرب بل عاد إلى الملك الظالم؟ إن في عنقه رسالة لا بُدَّ أنه مؤديها؛ لذلك عاد مرة تلو المرة.. إنه يعطي درسًا عظيمًا للدعاة في الإصرار على الدعوة، وفي الإصرار على إظهار الحق وتحديه للباطل. الفائدة الخامسة: تكمن هذه الفائدة في تبني عامَّة الناس المبدأ الصحيح. حيث طلب هذا الغلام من الملك أن يجمع له الناس على صعيد واحد.. ولو سألنا أنفسنا لماذا طلب الغلام هذا الطلب، يتبين لنا أن المبدأ السليم والفكر الصحيح إذا استفاض واعتنقه عامة الناس، لم يقف أمامه طغيان طاغٍ أو ظلم ظالم. لذلك طلب موسى أن يجتمع الناس في وقت متميز هو يوم عـيد، وفي ساعة متميزة هي وقت الضحى {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: 59]. وإن أغلب الأفكار إذا لم يتبناها عامة الناس تضيع، أو ربما تؤجل. وعلى هذا فإن الإسلام لن ينتشر بالنُّخبة أو الطبقة المثقفة وحدها، فلا بد أن تتبناه عامة الناس في بيوتهم وفي معاملتهم. الفائدة السادسة: تحديد مفهوم النصر؛ حيث قام هذا الغلام -الذي هو أفضل بكثير من رجال في هذه الأمة- بتوضيح مفهوم النصر.. وليس مفهوم النصر أن ينتصر الغلام، إنما المفهوم الحقيقي للنصر هو انتصار المبدأ السليم والفكر الصحيح. وهذا واضح من خلال دلالة هذا الغلام الملك على طريقة قتله، فلو كان مفهوم النصر نصرًا للأفراد والأشخاص وليس للمبدأ، لم يدله على هذه الطريقة، وإنما بيَّن للناس جميعًا أن المفهوم الحقيقي للنصر هو انتصار المبدأ لا انتصار الأفراد والأشخاص. الفائدة السابعة: وتتمثل في الثبات على مبدأ الحق الذي سطع، وذلك من خلال الفقرة التي مثلت صورة الأم مع طفلها وقول الطفل: "يا أماه اصبري، فإنك على حق". ولعل صفة الثبات على المبدأ من أهم الصفات التي يجب أن يتمتع بها الإنسان المسلم في عصرنا هذا وفي كل العصور، ولا سيما ونحن نرى سرعة تخلي الإنسان عن مبدئه مقابل عَرَضٍ من الحياة الدنيا، وصدق رسول الله r: "يُصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا". والله ولي التوفيق.

17_11422649316.gif

Reply

« Back to previous page